الأحد، 30 يناير 2011

صرخة فتاة مسلمة

النقـابُ يا أبـي!
هـذا فقط هـو مطلبي 
انهارٌ سالت من دموعْ، على وجنتي... و مِن دماءْ!
أبـي تُنـــادي جنّتي، قلها: وافــقتُ يـا ابنتي 
هو أمر الله ربنـا، سبحانهُ ربُّ السمـاءْ

أبي! أبي!
يا مهجتي ضجّ الفؤادُ بِمحنـتي 
أالـموت يَــمدُّ لي "اليدا" و أنتَ تـقول لـي غـدَا!
أبـي النقـابُ فرحتي هـو العـبيـرُ لـوردتي 
من دونـهِ قلبـي جريـ...ـحْ، أسـيـرُ حزنٍ و شـقَـاء

وُجدت كي تعيش الحياة

نصف شربة لن تروي ظمأك ..

و نصف وجبة لن تشبع جوعك ..

نصف طريق لن يوصلك إلى أي مكان ..
...
و نصف فكرة لن تعطي لك نتيجة ...

النصف هو لحظة عجزك و أنت لست بعاجز...

لأنك لست نصف إنسان...

أنت إنسان...

وُجدت كي تعيش الحياة ..

و ليس كي تعيش نصف حياة

السبت، 29 يناير 2011

ألا أيها الظالم المستبد حبيب الفناء عدو الحياة


ألا أيها الظالم المستبد * حبيب الفناء عدو الحياة
سخرت بأنات شعب ضعيف * و كفك مخضوبة من دماه
و سرت تشوه سحر الوجود * وتبذر شوك الأسى في رباه

رويدك لا يخدعنك الربيع * وصحو الفضاء وضوءالصباح
ففي الافق الرحب هول الظلام * و قصف الرعود وعصف الرياح
حذار فتحت الرماد اللهيب * و من يبذر الشوك يجن الجراح

تأمل أنى هناك حصدت * رؤوس الورى وزهور الأمل
و رويت بالدم قلب التراب * وأشربته الدمع حتى ثمل
ســيجرفك الســيل سيل الدماء * و يأكلك العاصف المشتعل

ورطة فقهية في المسألة التونسية



بم يوصف وفيما يصنف التغيير الذي جرى في تونس؟
أهو تغيير بالقهر والتغلب، أم تغيير مطاوعة وإذعان ونزول على رأي الأمة أو لنفوذ أهل الحل والعقد فيها؟
أهو تغيير بالضغط والإجبار، أم بمبادرة من الحاكم لقناعته بأنه لم يعد صالحاً للولاية أو أنه لم يكن صالحاً لها أصلاً؟

إننا إذا لم نختزل معنى القوة في حمل السلاح والقتال؛ سلمنا ـ عن حق ـ بأن التغيير في تونس تغيير بالقوة، أجل.. هو تغيير بالقوة بكل ما تحمل كلمة "القوة" من مفهوم ودلالة وما تلقيه من ظلال.
وحيث ذلك كذلك.. فما هو تكييف المسألة فقهاً عند من يرون أن حكامنا هم ولاة أمر تجب طاعتهم ولا يجوز الخروج عليهم؟ ألدى أصحاب هذه الرؤية الجرأة على أن يصفوا الأمة التونسية بأنهم خوارج، وأن خروجهم على ولي أمرهم بغي وإفساد وعصيان؟
وهل تجرؤ المؤسسات الدينية الرسمية على أن تفتينا في الأمة التونسية بأنهم أهل حرابة وفساد في الأرض يجب أن يصلبوا أو يقتلوا أو ينفوا من الأرض؟
ألا ما أشبه هذا الطاغية المخلوع بنظرائه من "ولاة الأمر"... فما يجري عليه في النظر الفقهي يجري على أولئك وربما بطريق الأولى والآكد، فتمكن علة الحكم في كثير منهم أبلغ وأعمق.
حقاً إنها ورطة فقهية تبهت أصحاب تلك الرؤية جميعهم، وبحيث لا تدع لهم مجالاً للمناورة أو التأويل، أو التفريق القياسي.
ثم أعود للتساؤل في شأن ذي صلة... فإن من ينافحون عمن يعدونهم ولاة أمر شرعيين لا يجوز الخروج عليهم، يرون ـ أيضاً ـ أن التظاهر ضدهم أمر محرم، وأنه عصيان لولي الأمر وخروج على طاعته!! وهم ـ بذلك ـ يَصِلون بالأمة إلى أن يلزموها الصمت والخنوع والاستسلام للواقع المرير إلى أن يقدر الله أمراً من عنده وهم قعود لا يدفعون الأسباب بالأسباب ولا يفرون من قدر الله إلى قدر لله!!
وهل التظاهر إلا آلية في الإنكار معدودة من أمور الدنيا التي لا يُلزم فيها المسلم بدليل توقيفي، شأنها في ذلك شأن كل ما ليس بعبادة أو قربة.
وإذا ما رُدَّ الأمر في الخروج وفي التظاهر إلى ما يترتب عليهما من مصالح أو مفاسد ؛ كان فعلهما أو الإفتاء بهما من مسائل الاجتهاد التي تختلف باختلاف التقديرات وما يحيط بواقعة الحكم من ملابسات وظروف ومعطيات، وإذاً يعود الأمر إلى أن يكون اجتهاداً في تحقيق مناط الحكم، ولا وجه للإلزام فيه بالمنع المطلق مهما تغيرت الملابسات والظروف والمعطيات.. كما يريد أصحاب الرؤية المشار إليهم.
ومن المهم ـ هنا ـ أن أشير إلى أن هذا التنظير لا أُقَعِد له على ما كان للخروج والتظاهر من نتائج في المسألة التونسية، لأنه مفهوم تقرر عندي منذ زمن، وكذا وجدته عند كثير من أهل العلم، وسبق أن كتبت في تقريره مرات ومرات، ولكن لأن الرأي المضاد (اللا خروج) لا ضريبة عليه بل لأنه لم يزل ـ عند البعض ـ مادة لاسترضاء "ولاة الأمر"؛ كان صوته أعلى، وأيضاً لأنه الرأي الذي فيه السلامة والدعة وجد رواجاً بين العامة ولدى المتثاقلين إلى الأرض الذين رضوا بالحياة الدنيا من الآخرة، أولئك الذين حسبوا أن لا تكون فتنة فعموا وصموا، مع أن القرآن المبين يقطع ـ وبصريح النص ـ أن الفتنة هي في أن لا يكون الدين كله لله، وأن الفتنة ـ بهذا المفهوم ـ أشد من القتل، كما أن الخنوع للاستبداد أشد من كل ما يمكن أن يلحقه الاستبداد بالخانعين

محمد مختار مصطفى المقرئ

ضريبة الذّلّ



بعض النفوس الضعيفة يخيل إليها أن للكرامة ضريبة باهظة، لا تطاق، فتختار الذل والمهانة هرباً من هذه التكاليف الثقال، فتعيش عيشة تافهة، رخيصة، مفزعة، قلقة، تخاف من ظلها، وتَفْرَقُ من صداها، "يحسبون كل صيحة عليهم" ، "ولتجدنهم أحرص الناس على حياة"
هؤلاء الأذلاء يؤدون ضريبة أفدح من تكاليف الكرامة، إنهم يؤدون ضريبة الذل كاملة، يؤدونها من نفوسهم، ويؤدونها من أقدارهم، ويؤدونها من سمعتهم، ويؤدونها من اطمئنانهم، وكثيراً ما يؤدونها من دمائهم وأموالهم وهم لا يشعرون

وإنهم ليحسبون أنهم ينالون في مقابل الكرامة التي يبذلونها قربى ذوي الجاه والسلطان حين يؤدون إليهم ضريبة الذل وهم صاغرون، ولكن كم من تجربة انكشفت عن نبذ الأذلاء نبذ النواة، بأيدي سادتهم الذين عبدوهم من دون الله، كم من رجل باع رجولته، ومرغ خديه في الثرى تحت أقدام السادة، وخنع، وخضع، وضحى بكل مقومات الحياة الإنسانية، وبكل المقدسات التي عرفتها البشرية، وبكل الأمانات التي ناطها الله به، أو ناطها الناس ... ثم في النهاية إذا هو رخيص رخيص، هَيِّنٌ هَيِّن، حتى على السادة الذين استخدموه كالكلب الذليل، السادة الذين لهث في إثرهم، ووَصْوَصَ بذنبه لهم، ومرغ نفسه في الوحل ليحوز منهم الرضاء !
كم من رجل كان يملك أن يكون شريفاً، وأن يكون كريماً، وأن يصون أمانة الله بين يديه، ويحافظ على كرامة الحق، وكرامة الإنسانية، وكان في موقفه هذا مرهوب الجانب، لا يملك له أحد شيئاً، حتى الذين لا يريدون له أن يرعى الأمانة، وأن يحرس الحق، وأن يستعز بالكرامة، فلما أن خان الأمانة التي بين يديه، وضعف عن تكاليف الكرامة، وتجرد من عزة الحق، هان على الذين كانوا يهابونه، وذل عند من كانوا يرهبون الحق الذي هو حارسه، ورخص عند من كانوا يحاولون شراءه، رخص حتى أعرضوا عن شرائه، ثم نُبِذَ كما تُنْبَذُ الجيفة، وركلته الأقدام، أقدام الذين كانوا يَعِدُونه ويمنونه يوم كان له من الحق جاه، ومن الكرامة هيبة، ومن الأمانة ملاذ
كثير هم الذين يَهْوُونَ من القمة إلى السَّفْح، لا يرحمهم أحد، ولا يترحم عليهم أحد، ولا يسير في جنازتهم أحد، حتى السادة الذين في سبيلهم هَوَوْا من قمة الكرامة إلى سفوح الذل، ومن عزة الحق إلى مَهَاوي الضلال، ومع تكاثر العظات والتجارب فإننا ما نزال نشهد في كل يوم ضحية، ضحية تؤدي ضريبة الذل كاملة، ضحية تخون الله والناس، وتضحي بالأمانة وبالكرامة، ضحية تلهث في إثر السادة، وتلهث في إثر المطمع والمطمح، وتلهث وراء الوعود والسراب ..... ثم تَهْوِي وتَنْزَوِي هنالك في السفح خَانِعَةً مَهِينَة، ينظر إليها الناس في شماتة، وينظر إليها السادة في احتقار

لقد شاهدتُ في عمري المحدود - ومازلت أشاهد - عشرات من الرجال الكبار يحنون الرؤوس لغير الواحد القهار، ويتقدمون خاشعين، يحملون ضرائب الذل، تُبْهِظ كواهلهم، وتحني هاماتهم، وتلوي أعناقهم، وتُنَكِّس رؤوسهم .... ثم يُطْرَدُون كالكلاب، بعد أن يضعوا أحمالهم، ويسلموا بضاعتهم، ويتجردوا من الحُسنَيَيْن في الدنيا والآخرة، ويَمضون بعد ذلك في قافلة الرقيق، لا يَحُسُّ بهم أحد حتى الجلاد
لقد شاهدتهم وفي وسعهم أن يكونوا أحراراً، ولكنهم يختارون العبودية، وفي طاقتهم أن يكونوا أقوياء، ولكنهم يختارون التخاذل، وفي إمكانهم أن يكونوا مرهوبي الجانب، ولكنهم يختارون الجبن والمهانة .... شاهدتهم يهربون من العزة كي لا تكلفهم درهماً، وهم يؤدون للذل ديناراً أو قنطاراً، شاهدتهم يرتكبون كل كبيرة ليرضوا صاحب جاه أو سلطان، ويستظلوا بجاهه أو سلطانه، وهم يملكون أن يَرْهَبَهم ذوو الجاه والسلطان! لا ، بل شاهدت شعوباً بأَسْرِها تُشْفِقُ من تكاليف الحرية مرة، فتظل تؤدي ضرائب العبودية مرات، ضرائب لا تُقَاس إليها تكاليف الحرية، ولا تبلغ عُشْرَ مِعْشَارِها، وقديماً قالت اليهود لنبيها "يا موسى إن فيها قوماً جبارين وإنا لن ندخلها أبداً ماداموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هنا قاعدون" فأَدَّتْ ثمن هذا النكول عن تكاليف العزة أربعين سنة تتيه في الصحراء، تأكلها الرمال، وتذلها الغربة، وتشردها المخاوف.... وما كانت لتؤدي معشار هذا كله ثمناً للعزة والنصر في عالم الرجال
إنه لابد من ضريبة يؤديها الأفراد، وتؤديها الجماعات، وتؤديها الشعوب، فإما أن تؤدى هذه الضريبة للعزة والكرامة والحرية، وإما أن تؤدى للذلة والمهانة والعبودية، والتجارب كلها تنطق بهذه الحقيقة التي لا مفر منها، ولا فكاك
فإلى الذين يَفْرَقُونَ من تكاليف الحرية، إلى الذين يخشون عاقبة الكرامة، إلى الذين يمرِّغُون خدودهم تحت مواطئ الأقدام، إلى الذين يخونون أماناتهم، ويخونون كراماتهم، ويخونون إنسانيتهم، ويخونون التضحيات العظيمة التي بذلتها أمتهم لتتحرر وتتخلص
إلى هؤلاء جميعاً أوجه الدعوة أن ينظروا في عبر التاريخ، وفي عبر الواقع القريب، وأن يتدبروا الأمثلة المتكررة التي تشهد بأن ضريبة الذل أفدح من ضريبة الكرامة، وأن تكاليف الحرية أقل من تكاليف العبودية، وأن الذين يستعدون للموت توهب لهم الحياة، وأن الذين لا يخشون الفقر يرزقون الكفاية، وأن الذين لا يَرْهَبُون الجاه والسلطان يَرْهَبُهم الجاه والسلطان
ولدينا أمثلة كثيرة وقريبة على الأذلاء الذين باعوا الضمائر، وخانوا الأمانات، وخذلوا الحق، وتمرغوا في التراب ثم ذهبوا غير مأسوف عليهم من أحد، ملعونين من الله، ملعونين من الناس، وأمثلة كذلك ولو أنها قليلة على الذين يأبون أن يذلوا، ويأبون أن يخونوا، ويأبون أن يبيعوا رجولتهم، وقد عاش من عاش منهم كريماً، ومات من مات منهم كريما
بقلم / سيد قطب... رحمه الله

بيان النخبة العلمية المستقلة لأساتذة وباحثي جامعة الزيتونة



بيان حول ثورة الشعب
بسم الله الرحمن الرحيم
نحن النخبة العلمية المستقلة لأساتذة وباحثي جامعة الزيتونة العريقة نحيي بإجلال ثورة شعبنا التونسي الأصيل الذي استبسل في الدفاع عن كرامته وحريته حتى انتصر على الدكتاتور الغاشم دافعا ضريبة استبساله دماء الشهداء الزكيّة التي روت تراب تونس العزيزة، وهي في تقديرنا فرصة تاريخية تعيد للشعب سلطته وهويته الدينية والوطنية التي سلبت منه قهرا وظلما وتفتح أمامه سبل التحرّر والإبداع الحضاري.
والآن وبعد أن زالت الغمّة و ظهرت الحقيقة وانتصر الحق وزهق الباطل، وحيث أنّنا جزء هام من هذا الشعب العظيم وفي طليعة نخبه، وأمام جسامة المسؤولية التاريخية التي يتحمّلها المثقف والأكاديمي في مثل هذه المحطات الخطيرة من تاريخ الشعوب فإنّ الواجب المقدّس يحتّم علينا إصدار البيان التالي الذي يحتوي على نقطتين هامتين :
تتعلّق الأولى بموقف النخبة العلمية المستقلة لأساتذة وباحثي جامعة الزيتونة من الأحداث السائدة، أمّا الثانية فتتعلّق ببعض مطالبهم الرئيسية.

أولا : موقف النّخبة الزيتونية من الأحداث
إنّ جامعة الزيتونة التي جثم النّظام البائد على صدرها، وكتم أنفاسها وهمّش طاقاتها مسلطا عليها بعض أعضاء هيئة التدريس والإداريين التابعين سياسيا للحزب الحاكم المستبد، ممّا أدّى إلى تقليص وظيفتها العلمية والحضارية وإشعاعها بالداخل والخارج ومشاركتها الفعّالة في الشأن العلمي والديني والوطني الإصلاحي التي اشتهرت بها عبر التاريخ العربي الإسلامي، تصرّح اليوم عبر نخبتها الحرة المستقلة بما يلي :
أ- يجب تعليق العمل صراحة بنصوص الدستور المنافية لروح الدساتير في الأنظمة الديمقراطية الحرّة والمتفق على أنّ النظام البائد قد وضعها خدمة لمصالحه الدكتاتورية بدأ بالفقرة الثانية من الفصل 41 التي تمنح رئيس الجمهورية الحصانة القضائية بعد انتهاء مباشرته لمهامه، على أن يسحب هذا الإجراء على باقي النصوص القانونية غير الدستورية لاحقا.
ب- وجوب حل مجلس النّواب وإجراء انتخابات تشريعية جديدة انتخابا ديمقراطيا حرّا ونزيها وفق قواعد سياسية وانتخابية جديدة.
ت- يجب إنشاء مجلس تأسيسي ينبثق عنه دستور تونسي جديد يستجيب لتطّلعات الشعب التونسي بكافة أطيافه الفكرية والسياسية على أن تكون طريقة تشكيله وهوية أعضائه محلّ اتّفاق أغلبية التيارات الاجتماعية والسياسية.
ث- ضرورة حلّ مجلس المستشارين لفقدانه الشرعية القانونية نظرا لتوظيفه السابق لخدمة النظام البائد.
ج- ضرورة حلّ ما نُعت بــ” التجمع الدستوري الديمقراطي ” دون الاقتصار على حل ديوانه السياسي فحسب.
ح- التعجيل بتغيير مسيّري مؤسسات الدولة من أصحاب الخطط الإدارية العليا لأنّهم كانوا في العهد البائد يُعيّنون وفق معايير حزبية بحتة، وكذلك الأمر بالنسبة للولاة والكتاب العامين للولايات والمعتمدين والكتّاب العامين للبلديات وغيرهم.
خ- وجوب التعجيل بحلّ المجالس البلدية وتعيين مسؤول إداري جهوي للإدارة المؤقتة لشؤون البلديات في انتظار تنظيم انتخابات بلدية وفق قواعد المجلة الانتخابية الجديدة التي يجب أن ترى النور في أقرب الآجال.
د- المطالبة الملحّة بالمحافظة على مختلف أصناف أرشيف الدولة الإداري الذي نشأ خلال فترة حكم النّظام السابق نظرا لأهميته القصوى في الكشف عن الحقائق التاريخية وإثبات الوقائع القانونية.
ذ- المطالبة بضرورة تشريك نخبة من الجامعيين الزيتونيين الشرفاء والمستقلين في اللجان الثلاثة : لجنة الإصلاح السياسي ولجنة استقصاء الحقائق في التجاوزات المسجلة في الفترة الأخيرة ولجنة استقصاء الحقائق حول قضايا الفساد والرشوة.

ثانيا : مطالب جامعة الزيتونة
كان جامع الزيتونة المعمور قبلة لطلاب العلم من الشرق والغرب ومعقلا لمقاومة المستعمر وعند هيمنة الحزب الحاكم على مقاليد السلطة السياسية في تونس تمّ غلقه وعُوّض بكلية الشريعة وأصول الدين التي كانت تعجّ حتى بداية الثمانينات بحوالي أربعة آلاف طالب، وبعد 1987 أصدر الرئيس المخلوع الشعار الزائف ” رد الاعتبار لجامعة الزيتونة “، وفي هذا السّياق تم حذف الكلية التي كان يُعيّن عميدها بالانتخاب، وأسّست معاهد عليا صورية على رأسها مديرين من الحزب الحاكم، ولم يقع تعيين رئيس جامعة أو مدير معهد من ذوي الاختصاص الشرعي حيث كان جميعهم آلة طيّعة لدى السلطة الحاكمة التي طبقت قاعدة ” تجفيف المنابع “، ممّا أفرز أجيالا تعيش أميّة دينية وفراغا روحيا أدّى إلى انحرافات وأزمات اجتماعية وأخلاقية، وصار الإمام الخطيب – على سبيل المثال- بوقا من أبواق النظام يسبح بحمد الرئيس المخلوع ويلهج بإنجازاته الوهمية ويدعو له ولأصهاره، بل تسابق بعض الأساتذة الحزبيين وكذلك بعض المسؤولين الإداريين بجامعة الزيتونة إلى المنافسة على الولاء للرئيس المخلوع وزمرته من جهة ،إضافة إلى فسادهم المالي واستيلائهم على أموال المؤسسة بطرق ملتوية لكنها مفضوحة في الغالب من جهة ثانية. وقد انعكس ذلك سلبا على عدد الطلبة الذي تقلّص إلى حدود حوالي 400 طالب فقط (!). وتدهور الشأن الديني بتونس حتى أصبح المسؤول عن الدين يمنع الحجاب ويعطّل الحج ويعتبر الآذان تلوّثا صوتيا …
أمّا رئيس الجامعة الزيتونية فقد ساهم بشكل جليّ في تعطيل نشاط وحدات البحث العلمي بعدم توفير حاجياتها الضرورية وتعطيل ميزانياتها الخاصة بها، واقتصار نشاطه على السفر المكثّف إلى الخارج دون أن يعود ذلك بالفائدة على الجامعة، إضافة إلى إصداره لنشرية دعائية تمجّد إنجازات الرئيس المخلوع في المجال الديني. والأدهى من ذلك أنّ مدير المعهد العالي لأصول الدين – المُعيّن من طرف السلطة وفقا لمعايير حزبية – اشتهر لدى الجميع ببذاءة لسانه وسبّ الجلالة وتقمّصه لدور البوليس السياسي داخل الحرم الجامعي وخارجه من خلال إرساله للتقارير الأمنية السرية للحزب الحاكم ووزارة الإشراف وحرصه الشديد على حرمان دورة كاملة من أصحاب الأستاذيات القديمة من مواصلة دراستهم بالمرحلة الثالثة بتعلّة أنهم “خوانجية “، ومن غرائب الزمن أن نجده هذه الأيام على رأس وزارة الشؤون الدينية ضمن ما سُميّ بحكومة الوحدة الوطنية (؟).وبناء على ما سبق فإنّ ملف رئيس الجامعة وإدارة المعهد في حاجة ماسة إلى المراجعة الجذرية وفي هذا الإطار نطالب بالتخلي القانوني عن صفة المعهد والرجوع إلى صفة الكلية وذلك حتى يتسنّى انتخاب رئيس المؤسسة بصفة ديمقراطية لا بالتّعيين الفوقي وفق قانون الاستبداد السابق.
كما نطالب باحترام أهل الاختصاص العلمي والاستفادة من كفاءة ذوي الخبرة في العلوم الشرعية من أساتذة وباحثين طالما همّشوا في العهد البائد.
وفي الختام نؤكّد حرصنا على المحافظة على مكاسب الثورة الشعبية وأهدافها السامية، ونأمل من الإعلام الحرّ النّزيه أن يُعير الاهتمام اللاّزم لهذا البيان التاريخي الذي ستتبعه توضيحات ومواقف مُفصّلة لكل النقاط الواردة فيه.
عاشت ثورة الشعب التونسي الأبيّ صاحب السيادة ورحم الله تعالى شهداءنا الأبرار والله الموفّق لما فيه الخير لكل الشعوب العربية والإسلامية.

عن النخبة العلمية المستقلة لأساتذة وباحثي جامعة الزيتونة

د. محمد بوزغيبة / مدير قسم الشريعة بجامعة الزيتونة

الجمعة، 21 يناير 2011

صرخة من قلب العاصمة ليلة هروب الطاغية تكسر حضر التجول

لا شكر يرقى لهداياهم لنا إلا أن نسير على خطاهم




كيف نشكر أهل تونس، لا شكر يرقى لهداياهم لنا إلا أن نسير على خطاهم، لأن أول هداياهم هى تعليمهم لنا أن السير على خطاهم ممكن، أن الناس يقدرون على هذا، يقدرون على أن يرسلوا رؤساءهم ووزراء داخليتهم وضباط أمنهم ومعذبيهم إلى الجحيم، ثم ترفض الجحيم استقبالهم.
ما الفرق بين الرجل الخائف المتكلم بالدارجة المغدق الوعود على الناس متوسلا لهم توسلا ساطعا وبين الرجل نفسه قبلها بيومين، جسمه هو جسمه واسمه هو اسمه وماله لم ينقص درهما واعتراف عواصم العالم به لم يتغير، غاية الأمر أنه أصدر أمرا فرفض المأمور تنفيذه فسقط الرئيس. والمأمور فى هذه الحالة قد يكون ضابطا فى الجيش أو طالبة فى المظاهرة، كلاهما لم يطع فأصبح كل منهما رئيس نفسه، أصبح حرا ونال تلك التى نحلم بها كل يوم وليلة.
كيف نشكر أهل تونس، شكر التلميذ للمعلم، شكر الناس لمن أراهم أنهم قادرون، لمن ذكرهم أن لهم أيادى وأقداما وألسنة غفلوا عنها حتى ظنوا أنهم خلقوا بدونها، إن هداياهم لنا لا تنتهى. بادئ ذى بدء قد أهدونا أول ثورة شعبية ناجحة فى تاريخ العرب الحديث، إن ثورات مصر عام تسعة عشر والعراق عام عشرين وسوريا عام خمسة وعشرين وفلسطين عام ستة وثلاثين وإن كانت ثورات شعبية فإنها لم تفلح فى تغيير نظم الحكم التى خرجت عليها. أما باقى الحركات التى أفلحت فى تغيير نظم الحكم من بعد فكانت كلها انقلابات عسكرية دعمها الشعب أو لم يدعمها.
ثانيا لقد أهدانا أهل تونس أول ثورة عربية شعبية ناجحة ضد حاكم عربي، كانت الثورات المذكورة كلها تحركات ضد الاحتلال الأجنبي، وكانت الانقلابات الثورية اللاحقة لها فى معظمها ردود فعل على هزائم حربية أكثرها ضد إسرائيل. وقد قلنا من قبل إن حكوماتنا المحلية هى وسائل احتلال بالوكالة، وقد بدا للقوى الاستعمارية أن احتلالنا عبر وسطاء من أهلنا أنجح وأكفأ من الغزو العسكرى الأجنبى وكان دليلهم على ذلك أنا لا نثور على حكامنا من بنى جلدتنا حتى وإن فعلوا فينا ما كان يفعله المستعمر ويزيد، وحتى إن فعلوا ذلك لحساب المستعمر، وحتى إن أعلنوا نهارا جهارا أنهم يقتلوننا لحساب بريطانيا وفرنسا وأمريكا بل وإسرائيل ثم أسموها بالدول الحليفة والصديقة. فاليوم علمنا أهل تونس أن حجارة الانتفاضة قد لا تقتصر على دبابة إسرائيلية أو أمريكية فحسب، بل قد تطال كل سيارة شرطة عربية تعمل لحساب تلك الدبابات وتحالفها وتتعاون معها.
ثالثا: أهدانا أهل تونس أول ثورة شعبية عربية ناجحة قامت لأسباب اجتماعية واقتصادية. فقد كانت العادة من قبل أن الجوع والقهر عندنا لا يغيران الحكومات، وكأننا نرضى من حكامنا فقط بأن يكفوا عن قتلنا، فإن أخذوا رزقنا فهنيئا لهم فنحن أضعف من أن نثور حماية لأرزاقنا. وكأنا تعودنا الجلوس على المقاهى بلا عمل، وتعود شبابنا ألا ينالوا حقهم الإلهى فى الإلف لقلة مالهم، وتعودت صبايانا ألا يصبحن عرائس وأمهات ما لم يَسألنسؤالا مهينا عن الأثمان المدفوعة فيهن، وكأننا تعودنا أن يحولنا الفقر إلى شحاذين وبغايا ثم لا نغضب، ونحمد الله على أننا لم نمت ولم نعذب ولم نوضع فى قبو أو قبر. علمنا أهل تونس الغضب الحلال وأن عربة خضرة مبعثرة ثمارها على الأسفلت سبب كاف ليرحل رئيس الجمهورية وزوجته وأولاده وأقرباؤه وحلفاؤه وأصدقاؤه ويحرر الحيز الذى كان يحتله من الهواء والأشبار التى كان يقع ظله عليها من الأرض، كلها فداء عربة خضرة قلبت ظلما، فلم يسامح الناس فيها.
رابعا: أهدانا التونسيون ثورة انطلقت من الريف وأثمرت فى العاصمة، لقد كان أهل مصر مثلا قلقين من أن قدرتهم على الحشد فى الريف أكبر منها فى العاصمة لتركز الأمن بها ووجود خطط لأغلاق منافذها، بل إن شوارعها صممت بحيث تقسمها الأسوار الحديدية فلا يمكن للناس أن يتظاهروا فيها. أقول لقد أهدانا أهل تونس ثورة ولدت حيث ولدت فلم يشأ لها الناس أن تموت، وخرجوا من بلدة إلى أختها حتى وصلوا إلى وزارة الداخلية، هى ثورة مستضعفين حقا لا مجازا، ومهمشين بكل ما فى الكلمة من معنى، وقد انتصرت بكل ما فى الكلمة من معنى.
خامسا: أهدانا أهل تونس مثلا يحتذى فى الحكمة ورباطة الجأش، فبعد هروب الرئيس أطلق بعض أعوان النظام السابق جماعات من النهابين تعتدى على الخلق فى دورهم، ففهم الناس، وفهموا كلهم وفى نفس اللحظة، أنها خطة دبرت بليل لوصم الثورة بالفوضى، ولكى يترحم الناس على الشرطة التى انتصروا عليها ويطلبوا منها العون ضارعين. فما كان من الناس إلا أن شكلوا لجانهم هم، شرطة منهم ومن أبنائهم، لم تتعود على الضرب والسحل والتعذيب والرشوة، بل أهل الأحياء يحمون أمهاتهم وأخواتهم وأخوانهم وأنفسهم ودورهم، مثال والله بعيد المغزى، فقد أقام الناس دولتهم بعد الدولة وبعيدا عنها، استقلوا عن الدولة التى لم تكن إلا امتدادا لاحتلالهم واستمرارا لاستعبادهم. ربما رأى معظم القراء ذلك التسجيل المصور من شارع الحبيب بورقيبة ليلا حيث نادى مناد يا أهل تونس ارفعوا رؤوسكم ولا تخافوا من أحد بعد، فأجابته النساء بالزغاريد، ثم أجابتهن نساء أخريات بزغاريد أخرى من آخر الشارع.
أيها الناس هذه الزغاريد هى الثورة وهى الدولة، هى تكاتفنا وحسن ظننا بأنفسنا، هى إعلان سند وحلف، وليس العقد الاجتماعى الذى تقوم عليه النظم السياسية إلا حلفا بيننا مفصلا بعض الشيء. لقد أهدانا أهل تونس ولو لثوان دولة من الزغاريد، وحلفا من الناس تعاقدوا على ألا يجور أحد على أحد، وأن يكونوا يدا على من جار وظلم، وأن ذمتهم واحدة، وليست الدولة إلا عقدا كهذا ما لم يغفل عنها أهلها فيميل بها الظالمون.
تعلمنا فشكرا لأهل تونس، ولن يعود لهم شاه ولا شاهبور، فاليوم أصبح للعرب فى الثورات الشعبية نصيب كجيرانهم. وأما حكامنا الذين يحكموننا من ثلاثين سنة فليخافوا، ولا نلومن إلا أنفسنا إن لم يفعلوا. لا يوجد الحاكم إلا فى خيال المحكوم، وبعض الحكام عبء حتى على الخيال.

الصورة تتكلّم