السبت، 29 يناير 2011

بيان النخبة العلمية المستقلة لأساتذة وباحثي جامعة الزيتونة



بيان حول ثورة الشعب
بسم الله الرحمن الرحيم
نحن النخبة العلمية المستقلة لأساتذة وباحثي جامعة الزيتونة العريقة نحيي بإجلال ثورة شعبنا التونسي الأصيل الذي استبسل في الدفاع عن كرامته وحريته حتى انتصر على الدكتاتور الغاشم دافعا ضريبة استبساله دماء الشهداء الزكيّة التي روت تراب تونس العزيزة، وهي في تقديرنا فرصة تاريخية تعيد للشعب سلطته وهويته الدينية والوطنية التي سلبت منه قهرا وظلما وتفتح أمامه سبل التحرّر والإبداع الحضاري.
والآن وبعد أن زالت الغمّة و ظهرت الحقيقة وانتصر الحق وزهق الباطل، وحيث أنّنا جزء هام من هذا الشعب العظيم وفي طليعة نخبه، وأمام جسامة المسؤولية التاريخية التي يتحمّلها المثقف والأكاديمي في مثل هذه المحطات الخطيرة من تاريخ الشعوب فإنّ الواجب المقدّس يحتّم علينا إصدار البيان التالي الذي يحتوي على نقطتين هامتين :
تتعلّق الأولى بموقف النخبة العلمية المستقلة لأساتذة وباحثي جامعة الزيتونة من الأحداث السائدة، أمّا الثانية فتتعلّق ببعض مطالبهم الرئيسية.

أولا : موقف النّخبة الزيتونية من الأحداث
إنّ جامعة الزيتونة التي جثم النّظام البائد على صدرها، وكتم أنفاسها وهمّش طاقاتها مسلطا عليها بعض أعضاء هيئة التدريس والإداريين التابعين سياسيا للحزب الحاكم المستبد، ممّا أدّى إلى تقليص وظيفتها العلمية والحضارية وإشعاعها بالداخل والخارج ومشاركتها الفعّالة في الشأن العلمي والديني والوطني الإصلاحي التي اشتهرت بها عبر التاريخ العربي الإسلامي، تصرّح اليوم عبر نخبتها الحرة المستقلة بما يلي :
أ- يجب تعليق العمل صراحة بنصوص الدستور المنافية لروح الدساتير في الأنظمة الديمقراطية الحرّة والمتفق على أنّ النظام البائد قد وضعها خدمة لمصالحه الدكتاتورية بدأ بالفقرة الثانية من الفصل 41 التي تمنح رئيس الجمهورية الحصانة القضائية بعد انتهاء مباشرته لمهامه، على أن يسحب هذا الإجراء على باقي النصوص القانونية غير الدستورية لاحقا.
ب- وجوب حل مجلس النّواب وإجراء انتخابات تشريعية جديدة انتخابا ديمقراطيا حرّا ونزيها وفق قواعد سياسية وانتخابية جديدة.
ت- يجب إنشاء مجلس تأسيسي ينبثق عنه دستور تونسي جديد يستجيب لتطّلعات الشعب التونسي بكافة أطيافه الفكرية والسياسية على أن تكون طريقة تشكيله وهوية أعضائه محلّ اتّفاق أغلبية التيارات الاجتماعية والسياسية.
ث- ضرورة حلّ مجلس المستشارين لفقدانه الشرعية القانونية نظرا لتوظيفه السابق لخدمة النظام البائد.
ج- ضرورة حلّ ما نُعت بــ” التجمع الدستوري الديمقراطي ” دون الاقتصار على حل ديوانه السياسي فحسب.
ح- التعجيل بتغيير مسيّري مؤسسات الدولة من أصحاب الخطط الإدارية العليا لأنّهم كانوا في العهد البائد يُعيّنون وفق معايير حزبية بحتة، وكذلك الأمر بالنسبة للولاة والكتاب العامين للولايات والمعتمدين والكتّاب العامين للبلديات وغيرهم.
خ- وجوب التعجيل بحلّ المجالس البلدية وتعيين مسؤول إداري جهوي للإدارة المؤقتة لشؤون البلديات في انتظار تنظيم انتخابات بلدية وفق قواعد المجلة الانتخابية الجديدة التي يجب أن ترى النور في أقرب الآجال.
د- المطالبة الملحّة بالمحافظة على مختلف أصناف أرشيف الدولة الإداري الذي نشأ خلال فترة حكم النّظام السابق نظرا لأهميته القصوى في الكشف عن الحقائق التاريخية وإثبات الوقائع القانونية.
ذ- المطالبة بضرورة تشريك نخبة من الجامعيين الزيتونيين الشرفاء والمستقلين في اللجان الثلاثة : لجنة الإصلاح السياسي ولجنة استقصاء الحقائق في التجاوزات المسجلة في الفترة الأخيرة ولجنة استقصاء الحقائق حول قضايا الفساد والرشوة.

ثانيا : مطالب جامعة الزيتونة
كان جامع الزيتونة المعمور قبلة لطلاب العلم من الشرق والغرب ومعقلا لمقاومة المستعمر وعند هيمنة الحزب الحاكم على مقاليد السلطة السياسية في تونس تمّ غلقه وعُوّض بكلية الشريعة وأصول الدين التي كانت تعجّ حتى بداية الثمانينات بحوالي أربعة آلاف طالب، وبعد 1987 أصدر الرئيس المخلوع الشعار الزائف ” رد الاعتبار لجامعة الزيتونة “، وفي هذا السّياق تم حذف الكلية التي كان يُعيّن عميدها بالانتخاب، وأسّست معاهد عليا صورية على رأسها مديرين من الحزب الحاكم، ولم يقع تعيين رئيس جامعة أو مدير معهد من ذوي الاختصاص الشرعي حيث كان جميعهم آلة طيّعة لدى السلطة الحاكمة التي طبقت قاعدة ” تجفيف المنابع “، ممّا أفرز أجيالا تعيش أميّة دينية وفراغا روحيا أدّى إلى انحرافات وأزمات اجتماعية وأخلاقية، وصار الإمام الخطيب – على سبيل المثال- بوقا من أبواق النظام يسبح بحمد الرئيس المخلوع ويلهج بإنجازاته الوهمية ويدعو له ولأصهاره، بل تسابق بعض الأساتذة الحزبيين وكذلك بعض المسؤولين الإداريين بجامعة الزيتونة إلى المنافسة على الولاء للرئيس المخلوع وزمرته من جهة ،إضافة إلى فسادهم المالي واستيلائهم على أموال المؤسسة بطرق ملتوية لكنها مفضوحة في الغالب من جهة ثانية. وقد انعكس ذلك سلبا على عدد الطلبة الذي تقلّص إلى حدود حوالي 400 طالب فقط (!). وتدهور الشأن الديني بتونس حتى أصبح المسؤول عن الدين يمنع الحجاب ويعطّل الحج ويعتبر الآذان تلوّثا صوتيا …
أمّا رئيس الجامعة الزيتونية فقد ساهم بشكل جليّ في تعطيل نشاط وحدات البحث العلمي بعدم توفير حاجياتها الضرورية وتعطيل ميزانياتها الخاصة بها، واقتصار نشاطه على السفر المكثّف إلى الخارج دون أن يعود ذلك بالفائدة على الجامعة، إضافة إلى إصداره لنشرية دعائية تمجّد إنجازات الرئيس المخلوع في المجال الديني. والأدهى من ذلك أنّ مدير المعهد العالي لأصول الدين – المُعيّن من طرف السلطة وفقا لمعايير حزبية – اشتهر لدى الجميع ببذاءة لسانه وسبّ الجلالة وتقمّصه لدور البوليس السياسي داخل الحرم الجامعي وخارجه من خلال إرساله للتقارير الأمنية السرية للحزب الحاكم ووزارة الإشراف وحرصه الشديد على حرمان دورة كاملة من أصحاب الأستاذيات القديمة من مواصلة دراستهم بالمرحلة الثالثة بتعلّة أنهم “خوانجية “، ومن غرائب الزمن أن نجده هذه الأيام على رأس وزارة الشؤون الدينية ضمن ما سُميّ بحكومة الوحدة الوطنية (؟).وبناء على ما سبق فإنّ ملف رئيس الجامعة وإدارة المعهد في حاجة ماسة إلى المراجعة الجذرية وفي هذا الإطار نطالب بالتخلي القانوني عن صفة المعهد والرجوع إلى صفة الكلية وذلك حتى يتسنّى انتخاب رئيس المؤسسة بصفة ديمقراطية لا بالتّعيين الفوقي وفق قانون الاستبداد السابق.
كما نطالب باحترام أهل الاختصاص العلمي والاستفادة من كفاءة ذوي الخبرة في العلوم الشرعية من أساتذة وباحثين طالما همّشوا في العهد البائد.
وفي الختام نؤكّد حرصنا على المحافظة على مكاسب الثورة الشعبية وأهدافها السامية، ونأمل من الإعلام الحرّ النّزيه أن يُعير الاهتمام اللاّزم لهذا البيان التاريخي الذي ستتبعه توضيحات ومواقف مُفصّلة لكل النقاط الواردة فيه.
عاشت ثورة الشعب التونسي الأبيّ صاحب السيادة ورحم الله تعالى شهداءنا الأبرار والله الموفّق لما فيه الخير لكل الشعوب العربية والإسلامية.

عن النخبة العلمية المستقلة لأساتذة وباحثي جامعة الزيتونة

د. محمد بوزغيبة / مدير قسم الشريعة بجامعة الزيتونة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق