لماذا الحديث عن القلب ؟
لأنّ القلب ليس بالأمر الهين
ولا السهل
فلا أحد أعلم بأحوال هذا القلب وما ينتابه من خالقه (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ)
و لأثره في حياة الإنسان فهو الموجه والمخطط، والأعضاء والجوارح تنفذ
يقول أبو هريرة رضي الله عنه:القلب ملك، والأعضاء جنوده، فإذا طاب الملك طابت جنوده، وإذا خبث القلب خبثت جنوده
ومن الأسباب الجوهرية للحديث عن هذا الموضوع غفلة كثير من الناس عن قلوبهم، فتجد البعض يتوسع في بحث بعض الأعمال الدقيقة، ويتفقه فيها فقها عجيبا، في حين يغفل البحث في أعـمال القلب وأحوالـه، وأدوائه وعلله، وهذا أهمّ وأجلّ
كـما أننا نشهد من يتخصص في أنواع العلوم كالحديث والفقه والتفسير والنحو والفرائض وغيرها، فيتقن هذه العلوم، ويبلغها الناس، فنحن بحاجة إلى من يتقن الحديث عن مقامات القلب وأحواله، وأعماله وعلله وأدوائه، فيعلمها الناس ويصحح مقاصدهم ونياتهم
يقول الله -تعالى- على لسان نبيه إبراهيم صلى الله عليه وسلم (وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)
و يقول أيضا: (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ)
كم ننشغل في أشياء كثيرة من أمور دنيانا ومعاشنا ووظائفنا، وإذا بقي لنا شيء من الاهتمام أعطيناه لأعمالنا الظاهرة.
وأما هذا القلب فقليل منا من ينظر إليه، ويعطيه الاهتمام اللائق به
قلوبنا -أيها الأخوة- ممتحنة صباح مساء، تمتحن في كل لحظة من لحظات حياتنا، فهل نحن منتبهون لهذا، فغلطة واحدة قد تودي بحياة هذا القلب، وتحبط ذلك العمل
روى حذيفة بن اليمان رضي الله عنهعن النبي، صلى الله عليه وسلم أنه قال: " تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير عودا عودا فأيُّ قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتي تصيرعلى قلبين: على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مُرْبَادّا كالكوز مُجَخيِّا لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه "
في الحـديث التعبـير بالفعل المضارع (تعرض)، وهو هنا يدل على استمرار البلاء والامتحان: كما أن هذه الفتن لا تأتي دفعة واحدة، وإنما شيئا فشيئا حتى يصبح القلب أسود -والعياذ بالله- أو يسلمه الله فينجح في الامتحان فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض.
و في الختام أذكّر بقوله عزّ و جلّ :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
منقول من كتاب إمتحان القلوب
د. ناصر بن سليمان العمر
منقول من كتاب إمتحان القلوب
د. ناصر بن سليمان العمر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق